زيدل
بحر من أزهار بيضاء يكلل كروم اللوز في زيدل كل ربيع
كتبها فايز سالم زكور
الموقع والحدود :
تقع قرية زيدل إلى الشرق من مدينة حمص وعلى بعد خمسة كيلو مترات منها على خط طول : 36.47 وخط عرض : 34.42 وهي ترتفع . وهي ذات أراض سهلية خصيبة لا سيما في جهتها الشرقية وجميع أراضيها صالحة للزراعة مع تفاوت بسيط بين موقع وآخر .أما ارتفاعها عن سطح البحر فهو بحدود 550 متر .
تقدر مساحة أراضيها حسب دائرة مساحة حمص حوالي 5521 هكتار تقريباً وكلها أراضي مملوكة لأصحابها ، لذا تعتبر زيدل من أكبر القرى مساحة في المحافظة وتفتخر زيدل عن كل قرى الريف السوري بأنها لم يخضع منها شبر واحد ولو يوماً للإقطاع في الوقت الذي كانت فيه سورية ترزح تحت نير الإقطاع ، وللزيدليين مواقف مشرفة في مواجهتهم للإقطاعيين الطامعين في خصب أراضيهم ، والذين أعيتهم الحيلة في زحزحة الزيدليين عن التمسك بأرض أجدادهم دون جدوى .
– يحد زيدل من الغرب : مدينة حمص . ومن الشرق : قرى البرزة ، الجاسمية ، الشيخ حميد ، الظاهرية ، وقسم من أراضي سكرة .
و من الجنوب : قرية فيروزة، وباقي أراضي سكرة. ومن الشمال : قريتي دير بعلبة والجابرية .
لمحة تاريخيةHistorical Glance :
أصل التسمية :
زيدل أو زيدن – كما يلفظها كبار السن من الأهالي وكما وجدناها في بعض المخطوطات السريانية – اسمان مترادفان لمنطقة واحدة ولهما نفس المعنى . يقول الباحث جرجي زيدان في كتابه ( تاريخ الله ) :
زيدل : قرية شرقي حمص تعني زيد إيل . أي خير الله ، كما أن تفسير زيدن هو زيد آن و الإله آن عند اليونان هو إيل عند السوريين فالمعنى واحد وتدل الخرائب الموجودة فيها على أنه شهدت عدة موجات بشرية عبر العصور .كما يرجع البعض التسمية إلى الملك زيد إيل الذي كان في هذه المنطقة في القرن الثاني قبل الميلاد .
كما تذكر بعض المراجع أن القائد التدمري الشهير زبدا مر بهذه المنطقة لكن إرجاع اسم زيدل إلى زبدا مستبعد لتباعد الفصيلة اللغوية للكلمتين.
إن أقدم ذكر مكتوب لزيدل عثر عليه في الرقيم الحجري المكتوب بالسريانية عام 1852م والذي وجد في مذبح كنيسة أم الزنار مغطياً للجرن البازلتي الذي حوى زنار السيدة العذراء المحفوظ في كنيسة أم الزنار بحمص .
وفيه ذكرت أسماء القرى التي ساهمت في تجديد كنيسة أم الزنار في عهد المطران بطرس الموصلي ( البطريرك بعدئذ ) وقد اكتشف هذا الرقيم البطريرك المرحوم أفرام الأول برصوم عام 1953 .
حيث ذكرت زيدل بالاسم ( زيدن ) وليس زيدل كما ذكر في الرقيم نفسه اسم قرية فرتـقة إذ كانت مأهولة حتى ذلك الزمان وهي حالياً أراض زراعية تابعة لزيدل .
أما في الصورة الثانية فنرى الرقيم الحجري والجرن البازلتي الذي حوى الزنار الشريف لحظة الكشف عن المائدة المقدسة عام 1953
أصل السكان:
يعود غالبية سكان زيدل إلى بلدة صدد التي هاجروا منها بسبب قحطها وقلة مواردها ، فانتقلوا منها على دفعات إلى مسكنة ثم تبادل أهل القريتين مساكنهم فأتى الزيدليون القدماء إلى مسكنة منذ أكثر من 160 سنة .
بنى الزيدليون بيوتهم من الطين والحجارة البازلتية في البدء بشكل عشوائي حول بئر القرية تفصلها أزقة متعرجة . ثم اتسعت البيوت لتتسع القرية معها . ثم أحدثت بلدية زيدل تلاها المخطط التنظيمي الذي نظم البناء في القرية وفي زيدل حالياً أجمل البيوت الحديثة والفيلات تشهد على انفتاح شعبها على العلم وكل ما هو حديث إضافة للقاعات الأثرية الحجرية .
التعليم :
التعليم قديم العهد في زيدل إذ كانت الكنيسة هي من تقوم بهذا الدور وكان العلم مشتملاً على اللغة السريانية ومبادئ الحساب والفروض الكنسية .
وقد عثرنا على كتاب للمزامير مطبوع في إنكلترا باللغة السريانية ويعود للعام 1896 ذكر على حاشيته أن المطران بطرس الموصلي ( البطريرك بعدئذٍ) قد أمر جميع طلاب مدرسة دير مار جرجس في زيدل بشراء كتب المزامير لكي يتعلموها .
ثم افتتحت مدرستان ابتدائيتان : الأولى مدرسة زيدل الريفية التي تأسست عام 1936 (مدرسة الشهيد ناظم أبو عيد حالياً) ومدرسة الشهيد الياس نعمة (تأسست عام 1949) تلتهما الإعدادية عام 1973 التي تحولت فيما بعد إلى ابتدائية الشهيد فهد سطاح وبنيت شمالي القرية إعدادية وثانوية مختلطة (ثانوية الشهيد نديم عبد العزيز) فتح فيها قسم للفنون النسوية ثم نقل إلى حمص فيما بعد .
خرّجت مدارس زيدل أطباء وصيادلة ومهندسون ومعلمون ورجال دولة وقضاء رفعوا اسمها عالياً ، وبعضهم هاجر للأمريكيتين ونجح نجاحاً باهراً . ولن نذكر أسماءً هنا لئلا ننسى أحد . ويكفي زيدل فخراً أنه لا يخلو بيت فيها من شهادة جامعية كحد أدنى ، بينما تنخفض الأمية فيها إلى أدنى المستويات في القطر وحسبك أن في زيدل شيوخاً يتكلمون الفرنسية والإنكليزية بطلاقة .
شهداء زيدل :
أنا زيدل الشهداء فليرضَ العلى بالفدية السمحاء من أبنائي
أنــا زيدلٌ مني جسور ستة شيـدتها للزاحفين ورائي
فليعبر الزحف المـقدس آمـناً فلقد رصفت الدرب بالأشلاءِ
بهذه الأبيات المحفورة على نصب الشهداء يستقبَل كل زائر لزيدل وهو يمر بساحة الشهداء التي بنيت إجلالاُ لذكرى ستة من زهرات زيدل الشابة لبت نداء الواجب و لم تبخل على الوطن بروحها . فاستحقت نعيم السماء ، كيف لا والسيد المسيح قال ﴿ ليس لاحد حب اعظم من هذا ان يضع احد نفسه لاجل احبائه.
وها نحن نذكر أسماء هؤلاء العظام لكي يفخر بذكراهم كل محب لتراب هذا الوطن :
الشهيد البطل الملازم الأول نديم نعيم عبد العزيز
الشهيد البطل المساعد الأول الياس عبدو نعمة
الشهيد البطل الرقيب فهد مطانس سطاح
الشهيد البطل العريف ناظم عطاالله أبو عيد
الشهيد البطل العريف أنطون هلال أبو عيد
الشهيد البطل الجندي أول هادي إبراهيم عازار
أهم زراعات زيدل :
العنب واللوز والزيتون بأنواعهم بالدرجة الأولى بالنسبة للأشجار المثمرة يضاف لها التفاح والدراق. والقمح والشعير بالنسبة للحبوب إضافة للجلبان و العدس والكمّون بشكل ضئيل .
وهناك أيضاً البطاطا والفليفلة بأنواعها والبندورة والباذنجان والخس والبطيخ إضافة إلى المقاثي. وكان القطن يزرع بكثرة في زيدل لكن زراعته انقرضت تماماً .
أما بالنسبة لتربية الحيوان فبعد ما كان لا يخلو بيت من دابة أو حيوان داجن ، لم يعد يربى في بيوت زيدل سوى الدجاج على نحو ضئيل والأرانب والحمام بشكل أقل .
أهم صناعات زيدل :
معظمها صناعات تعتمد على الزراعة إلا ما أنشئته الدولة .
يعتبر معمل حمص لتصنيع العنب ( معمل العرق ) الذي بدأ العمل عام 1972 من أهم معامل الدولة في زيدل يعمل فيه عدد كبير من مهندسي زيدل . وهو يؤمن تصريف عنب المنطقة خاصة العنب السلموني . والمعمل ينتج عرق ونبيذ الميماس إضافة للبراندي وقد بلغت طاقة المعمل الإنتاجية عام 2002 150- 170 طن / شهر.
وبالإضافة لمعمل الميماس يوجد معملين خاصين لإنتاج الخمور. كما يوجد معصرة زيتون بين قريتي زيدل وفيروزة .
كما بنت الدولة غربي زيدل محطة تحويل كهربائية لتغذية المنطقة ،و معمل الأعمدة الخرسانية وهو متوقف حالياً وهناك الصناعات النسيجية كالسجاد والبسط و أطباق القش وقد قاربت على الإنقراض في زيدل .
أما التجارة فهي على نوعان : جملة ومفرق والأخيرة أكثر انتشاراً تشهد عليها المحلات التجارية الكثيرة و المهن الخدمية من تمديدات كهرباء وخدمات كمبيوتر وصرف صحي وتسجيلات ومطاعم شعبية ….إلخ .
بقلم د. فايز زكور