أهم أثار صدد
كان في صدد برج قديم مبني من الحجارة الضخمة يبلغ طوله 10 أمتار وعرضه 8 أمتار وارتفاعه 22 م يتألف من أربعة طوابق فيها نوافذ صغيرة لمراقبة القوافل وكانت أبعاد بعض حجارته 2.5 م طولاً و1.5 م عرضاً و 1 م ارتفاعاً أما بابه فكان صغيراً
من الخشب المصفح بالحديد ويقال أن الباب الأصلي كان من الحجر . وكان البرج يرى من بعد 8 كم عن صدد .
انهيار البرج :
حدث في ليلة السبت 16 شباط على الحساب الشرقي الموافق 1 آذار 1919 م ، أن ثارت رياح شديدة دامت طوال الليل وفي اليوم التالي هبت الريح مجدداً في الظهيرة فهدمت الجانب القبلي من البرج فسقط على دكان مجاور لقصاب فمات كل من كان فيه وتهدمت بعض البيوت فأضحت مدافن لذويها وذهب فريسة تلك الحجارة الضخمة 15 شخصاً ، 7 من الحي الشرقي و 7 من الحي الغربي وشخص من قرية الفحيلة وهو صاحب الدكان وكان أغلب الضحايا مجتمعين في دكانه .
وفي عام 1935 حصل تصدع جديد في البرج فخاف السكان من تكرار الحادث فتقدموا بطلب إلى حكومة الانتداب لهدم البرج بدلاً من صيانته وترميمه وتمت الموافقة على الهدم ، نظراً لضعف مديرية الآثار على عهد فرنسا ولأن العلم ما كان منتشراً في البلدة كما اليوم ليطالب المتعلمون بترميم ذلك الصرح بدلاً من هدمه .
ويا ليت لو هدم الجانب المتصدع وأبقيت الأجزاء السالمة . وهكذا زال البرج من الوجود في أيام معدودات بينما استغرق الأجداد في بناءه عشرات السنين ،فكان هدمه جريمة لا تغتفر وخسارة فادحة لأنه كان مبنياً إلى غرار الحصون و الأبراج المنيعة كسور دمشق وبعلبك .
وإن شباب صدد الحاليين لا يعرفون من البرج المنيع سوى اسم الساحة المعروفة بـ ( ساحة البرج ) وسط البلدة قرب كنيسة مار تيواداروس .
الـتـــل :
وهو يقع في الجهة الجنوبية من البلدة وهو مرتفع مبني من الحجارة والطين ، وكان على ما يبدو ثكنة عسكرية ويقال أن فيه نفقاً يمتد تحت الأرض ويصله بالبرج .
وفي عام 1981 وبينما كانت البلدية تسوي أعلى التل عثر على عمق 30 سم على فوهة معقودة بالحجارة قطرها 65 سم وبعمق أربعة أمتار تصل إلى غرفة ، لكن لم ينزل إليها أحد ، وبعد إعلام مديرية الآثار بحمص أمرت بإغلاق الفوهة ولم تقم بأي إجراء .
النـواويــس :
( ناووس حجري عثر عليه في صدد ) ( حجر مزخرف – كنيسة مار جرجس – صدد )
في الجهة الغربية من صدد ( منطقة التوسع السكني ) مكان يدعى النواويس ( ناووس كلمة سريانية تعني التابوت ) وقد ظهر في إحدى الكروم المجاورة عام 1920 أثناء الحفر لغرس الشجر تابوت حجري مستطيل الشكل له غطاء حجري أيضاً طوله 2.1 م وعرضه 75 سم وارتفاعه يساوي عرضه . وربما دفن فيه أحد العظماء ولو ظهرت عليه كتابة أو تاريخ لكان له قيمة أثرية عظيمة.
وظهرت ثلاث توابيت أخرى أثناء حفر المجاري في المدرسة الثانوية وللأسف بقيت مدفونة تحت الأرض .
وعثر على تابوتين آخرين عام 1980 أثناء بناء منزلين في صدد ، كما عثر على كهف فيه هياكل عظمية بشرية وإلى جانب كل منها إبريق و صحن من الفخار .
جـزيـرة عُمـرو :
على بعد 5 كم إلى الشمال من صدد تقع جزيرة عُمُرو ( وهي كلمة سريانية تعني الدير ) وقد كان في هذه الجزيرة ( أي المنطقة المرتفعة ) دير الناسك مار ماما ( قديس سرياني ظل طويلاً حتى استطاع الكلام ولما تكلم كانت أول كلمة قالها ماما لذا سمي مار ماما ) . ومن هذا الدير تخرج أساقفة ورهبان وبقي عامراً حتى سنة 1715 م لكنه اندثر بفعل عاديات الزمان وغزوات البدو ولم يبق له أثر .
يصادف تذكار هذا الناسك في 3 أيار ( مايو ) من كل عام ، ويوجد نافذة في دار آل اسكندر تعرف باسم نافذة مار ماما تنار بالشموع وفيها قنديل يوقد بالزيت .
قبر الأمير أبو فراس الحمداني :
على بعد 10 كم إلى الشمال من صدد حجارة مجمعة في مكان منبسط من الأرض شرقي الطريق الترابية القديمة إلى حمص ، يعرف هذا المكان عند الصدديين بـ ( قبر الأمير ) ، لقد قتل أبو فراس الحمداني ( الحارث بن سعيد بن حمدان الملقب أبو فراس ) في هذا المكان إذ كان أبو فراس مقيماً في حمص ثم حصل خلاف بينه وبين أبو المعالي سعد الدولة بن سيف الدولة ، فطلبه أبو المعالي ، فانحاز أبو فراس إلى صدد عند طرف البرية في حمص ، فجمع أبو المعالي الأعراب من بني كلاب وغيرهم وسار في طلبه مع قرعويه فأدركه مطارديه على مشارف صدد وأعطوه الأمان ثم غدروا به وأمر قرعويه عبداً له بالتركية أن يقتله فقتله وأخذ رأسه وبقيت جثته في البرية حتى دفنها بعض الأعراب ولو استطاع الوصول إلى صدد لما كان قتل.
وقال بعضهم عن مقتله في صدد :
وعلمني الصّـــد من بعــده عن النوم مصرعه في صـدد
فسقيا لها إذ حوت شخصه وبعـداً لها حيث فـيهـا ابتعـد
ولم يعرف أبناء صدد من هو ذلك الأمير إلا بعد النهضة العلمية ، فأطلقوا اسمه على إحدى المدارس الابتدائية وأحد شوارع البلدة. وراودتهم فكرة إقامة تمثال يليق بالأمير في صدد .
ومؤخراً تم نقل رفاة الأمير إلى حمص حيث أقيمت ساحة باسمه .
الهـجرة إلى صــدد ومـنـها :
ظلت صدد مأهولة بشعب آرامي منذ نشأتها عام 1454 ق.م ، كما انتعشت في فترة الحكم التدمري وكانت في القرن التاسع الميلادي نقطة عسكرية هامة يشهد على ذلك برجها البائد إلى أن انفرط عقد الدولة الغسانية في القرن الثالث عشر (والغساسنة كانوا من القبائل العربية المسيحية) فلما تفرقوا انحاز قسم منهم إلى النساطرة وقسم إلى الروم وآخرون آثروا إلقاء السلاح والسكن في المدن والقرى السورية كصدد والقريتين والنبك وسائر أطرافها .
والحصيلة أن أولئك المهاجرين شكلوا ما يسمى اليوم في صدد بـ (الحي الشرقي ) ولهذا يقال المحلة الغربية آرامية والمحلة الشرقية غسانية . ولكل محلة كنائس خاصة وإدارة وإشراف مستقل وعقيدة واحدة أرثوذكسية للطرفين .
أما الهجرة من صدد فكان من أسبابها ضيق مساحة الأرض المزروعة بالنسبة لازدياد عدد السكان ، فبدأت الفئات النشيطة تهاجر طلباً للرزق وأخذوا يشيدون المزارع والقرى ، التي امتدت حتى حدود السلمية – حماة .
ويذكر الفيكونت فيليب دي طرازي في كتابه أصدق ما كان هذه القرى وهي : ((زيــدل ، فـيروزة الـحفـر ، مسـكنة ، الفرقلـس الفحيلـة ، أم دولاب ، الـجـدَيدة ، الجـابـريـة ، المـنزول ، الـرقامـة ، الشـعيرات ، الـعـالـيـات ، المـزهـريـة ، المشـرفة ، فضلاً عن النـبـك والقـريتين وامتدت فروع أبناء صدد إلى المدن السورية ولبنان وأصبحت صدد أماً لهذه الذراري التي أطلق على أهلها صـدديون أو صـدّيون))
كما يمكن أن نضيف إلى ماذكرناه بعض المزارع التي استوطنها الصدديون ثم تركوها وهي : (( تـل زبيدي ، فـرتقة ، أبو دالية ، حسيا ))
بقلم د. فايز زكور