بقلم الاستاذ جورج محو عن القاضي جوزيف الطويل :

عندما تغادر كورنيش الضيعة الشمالي متجها نحو( نص الضيعة)فإنه لابد لك ان تبطىء الخطا لانه يوجد امامك لوحة تاريخية تروي حكاية ماض مجيد مرعلى قريتي وامتزج بحاضر له ماله وعليه ماعليه —
بخطوة وراء خطوة تتابع سيرك وعينيك تتنقلان من جدار الى جدار ومن باب الى باب فهنا ترى عناق جدران اللبن والباطون وهناك باب خشبي اكل عليه الزمن وشرب وان اصغيت قليلا فانك ستسمع من خلال هذا العناق قصة تمازج وتتابع وروايات جيل بعد جيل وكلما مشيت ومشيت فإن اذنيك ستستمتعان اكثر واكثر بهذا الهمس الاصيل وتلك الحكايا التي حصلت خلف جدران كل تلك البيوت التي تجاوزتها
قطعت هذا الطريق مرات ومرات وفي كل مرة كنت اقف هنا واتمهل هناك وهمس الارواح التي غادرت هذه البيوت تبلغني عما كانت تضم بداخلها من طيبة ومحبة والفة واصالة ووفاء —-
وصلت مرة الى بيت العم المرحوم ابو سند واذ ببابه الخشبي المفتوح يدعوني للدخول فدخلت الى بهو الدار وهناك جلست تحت عريشة العنب الهرمة وجرى بيني وبينها مناجاة احب ان احدثكم عنها—
مرحبا ياصديقتي الشجرة فقالت مرحبا بك في بيت ابو سند فقلت لها بالله عليك اخبريني عن اهل الدار فقالت وهي تهز اغصانها فننا بعدفنن —–آآآآه ايها الضيف العزيز عمن تريدني ان اتكلم ؟؟؟ ااحكي لك عن المرحومة ام صموئيل الطويل التي ودعت ابناءها حتى مفرق الضيعة (ضيعة ام دولاب) وصوت الزغاريد يخرج ممزوجا بالفرح من حنجرتها وعندما سئلت لماذا تزغردين يا ام صموئيل قالت لان اولادي سيذهبون ليتعلموا في المدينة والمستقبل هو للعلم (((هذه قصة واقعية حصلت في نهاية القرن التاسع عشر في قرية ام دولاب حيث كانت العائلة تسكن هناك)))
ام تريدني ان اتكلم عن المعلم الفاضل يوسف الطويل ام عن الاستاذ العملاق صموئيل الطويل ام اتكلم عن الواعظ الاستاذ بطرس ابو سند—-فقلت لها لك ما تشائين وانا مستمع لك ومصغ لحديثك
وبعد دقيقة صمت سمعت صديقتي تقول :لابل ساكلمك عن آخر العنقود في هذه الشجرة الطيبة –فقلت لها وانا شغف للاستماع –اتحفيني بمالديك فكلي آذان صاغية-وها انا انقل لكم قصة القاضي جوزيف بطرس الطويل بحسب رواية صديقتي عريشة العنب—-
-هوشخص ابتعد عن الاضواء فكان كالجذور ولكنك هل تعلم ان الجذر هوزهرة كرهت الشهرة-نعم فمن كل موهبة حباه الله بها اخذ خيطا ذهبيا ونسج به لحافه الذي يتدفأ به كل من أم ذلك القلب او زار ذاك المتحف واقول متحفا لان فيه لوحة فسيفسائية متعددة الالوان فهنا ايقونة وهناك تمثال والورود العطرة تملأ اللوحة بشذاها واريجها اريج الاصالة والوفاء—
– ولدجوزيف الطويل في 5 شباط 1952—درس الحضانة في بانياس—ودرس الابتدائية والاعدادية في فيروزة ثم درس الثانوية في مدرسة الفارابي في حمص
– سجل بفرع الحقوق ثم التحق بالكلية الحربية بحمص وتابع دراسته فيها اثناء خدمته
– اختص بالمدرعات في الكلية وخدم على الجبهة لفترة ليست بالقصيرة
– عندانتهائه من الدراسة خدم في قسم التوجيه السياسي في دمشق وبعدها انتقل الى القضاء فعين قاضي تحقيق
– تدرج بالرتب العسكرية الى ان وصل الى رتبة عقيد
– هو عازف على آلة العود وعاشق للربابة يتذوق القصيد ويحفظه
– رسام من الطراز الرفيع وبالاخص الرسم الكاريكاتوري وقد قدم لوحاته في معارض عدة—ومجلة جيش الشعب كانت تقدم رسوماته بشكل دوري
– كان ينشر رسوماته في 3 مجلات في دمشق حتى انه في يوم واحد تم نشر لوحاته في 3 جرائد سورية هي تشرين والبعث والثورة
– في تسعينات القرن الماضي اقام معرضا للرسوم الكاريكاتورية في صالة شعيب في حمص وقام حينها المحافظ العبسي بافتتاح المعرض
– ضاع صيته في مجال الرسم حتى ان اذاعة بغداد سلطت الضوء عليه واصطدمت معه بعد رسمه لصدام حسين وهو يستحم بالدم
– هو فيروزي اصيل احب هذا التراب وعشق هذه الارض مستمدا من جذوره(آل الطويل)نسغا نقيا طاهرا فيه من الوطنية والنزاهة وكرم الاخلاق ما لاتستطيع قاذورات الارض ان تلوث بياضه —-نعم انه واحد من اوفياء فيروزة وما اكثرهم
– جوزيف الطويل هو انسان ضدالتعصب الطائفي او الطبقي —يعامل الفقير والغني على حد سواء —يحترم كل المذاهب—متواضع لم تغره المناصب ولم يره احد يوما بالرتب العسكرية خارج الدوام—-خدوم لكل من يقصده بالحق وقصته مع المحامي سهيل ابن العملاق السوري فارس الخوري معروفة —
سيارته كانت لخدمة اهل القرية فلم يسافر يوما الى دمشق او يعود من هناك الا وهي ملأى باناس مسافرين ولسان حاله يقول اهلا بكل اخوتي
–هو صديق وفي للجميع—مخلص—مثقف—حلو الحديث—حاضر النكثة—لكل مقام عنده مقال
-عندما اراد الاغتراب حمل قريته في قلبه مثل كل فيروزي اصيل خرج من فيروزة ولكنها لم تخرج منه وتابع اخبارها متواصلا مع اهلها وقدكان ومازال اول المتصلين مهنئا او معزيا—
احب وطنه الغالي وخدمه باخلاص—نظيف الكف—لم تتلوث مسيرة خدمته بشائبة—
احب قريته ووطنه حتى النخاع واراد ان يخلدها للاجيال القادمة ويكتب اسمها باحرف من نور في سماء المجد فعمل جاهدا على تخليد صور كل ابنائها القديمين وبيوتها الطينية التي باتت آيلة للسقوط وسعى مع فريق عمل ساعده على انتاج فلمين يوثقان ويؤرخان تاريخ قريتنا معتمدا على من سبقه وعلى من عاصره في توثيق التاريخ—وهما
1-فيروزة في ذاكرة الاجيال
2-تنور الضيعة القديم(او رحلة رغيف الخبز)
– عمل بجد ايضا على ولادة متحف للادوات التراثية في قريتنا جامعا فيه كل ما تيسر له من ادوات كانت تستعمل في الحياة اليومية قديما وقد تابع فريق عمل هذه المسيرة
– وتابعت الشجرة حديثها بقولها لقد خطا القاضي جوزيف خطوة في رحلة الالف ميل في الوفاء لفيروزة واضعا للاجيال القادمة لبنة وركيزة وتاركا للغيورين عليها متابعة المسيرة والحفاظ على ارث الآباء والاجداد
– وعندما انتهت صديقتي من حديثها قالت لي ايها الضيف العزيز هذا غيض من فيض لانني لااستطيع ان اجمع تاريخا مليئا بالاصالة في قصة معدودة الكلمات والخلاصة ان جوزيف الطويل هو فيروزي سوري وفي واصيل وهذا ما يعنيك انت واخوتك في حملة الوفاء لفيروزة——
– ودعت صديقتي وانا ممتن لها ولاهل الدار على ماقدموه لبلدي –
– رحم الله اولئك الصناديد الالى الذين رصفوا دروب الوفاء بطهر ومحبة واصالة —————–سلامات من القلب قاضينا الرائع واستاذنا الفاضل جوزيف –رحم الله من ارضعتك هذا اللبن الطاهر ومن رباك على محبة الناس والوطن ———-
– ايها الاحباء نقلت قصة صديقتي لكم بحرفيتها وانا كلي فخر واعتزاز بانه يوجد في فيروزة الفيروزات اوفياء واصيلين لا يعدون ولا يحصون
طوبى للقلوب الخيرة التي مرت على هذه الارض وطوبى للعقول النيرة التي كانت لنا قبسا منيرا ولتسلم الايادي التي تشابكت لمجد قريتي وبلدي
