فـيـروزة 

تعتبر فيروزة من أجمل قرى ريف حمص الشرقي ،كانت تبعد حوالي 4 كم عن مدينة ابن الوليد ,    وبفضل النهضة العمرانية الحديثة أصبحت فيروزة تعتبر ضاحية من ضواحي حمص دون أن يفقدها ذلك طابعها الريفي الخاص المميز

التسمية :

يقال أن مرد تسمية فيروزة يعود إلى الفيروز نسبة إلى خضرة بساتينها وكروم الزيتون واللوز والعنب المحيطة بها وهذا التأويل شائع بين الأهالي وهو صحيح عملياً فكروم اللوز والزيتون والعنب تشهد بذلك . لكن لو بحثنا بتعمق أكبر عن معنى ” فيروزة ” لتوصلنا إلى نتيجة تاريخية أجمل من الفيروز ، وهذه النتيجة تعرض لأول مرة وسيفاجأ القارئ عندما سأقول له أن فيروزة ورد ذكرها في الكتاب المقدس !!! نعم وفي العهد القديم تحديداً

ورد في مجلة مجمع اللغة العربية /المجلد4 /عام 1924 / ص546للباحث جبر ضومط من الجامعة الأميركية في بيروت ما يلي:

 نقرأ في سفر صموئيل الثاني 8:8 ﴿ وضرب داود هدد عزر بن رحوب ملك صوبة ………..ومن باطح ومن بيروثاي مدينتي هدد عزر أخذ الملك داود نحاساً كثيراً﴾

فيقول الباحث ضومط : وأما “بيروثاي” فهي فيروزي (بالياء) بجوار حمص ، وأظن أنه لا يصعب على عالم باللغات بتبدلات الحروف ببداهة الفطرة أن يحكم بذلك .

وهذا التأويل أقرب للواقع من رد اسم فيروزة إلى الفيروز لأن الفيروز تسمية عربية بحتة ، ونحن نعلم أن فيروزة كتجمع سكني موجودة قبل مئات السنين من مجيء العرب إلى هذه المنطقة ، حيث سكنها شعوب مختلفة كان آخرها الشعب الآرامي الذي أتاها من صدد وأهالي فيروزة الحاليين هم أحفاد ذلك الشعب .

تأسيس فيروزة :

يمكن القول أن فيروزة هي الإبنة البكر لصدد ، إذ أنه لما ضاقت صدد بسكانها ونظراً للطبيعة الجافة فيها فقد عَنّ للبعض من سكانها النزوح والتوجه نحو حمص في أواخر القرن السادس عشر ( حوالي 1565م) فمنهم استوطن في مدينة حمص يعملون فيها بنسج العبي ( جمع عباءة) ويتاجرون بها في أسواقهم ، وآخرون آثروا العمل بالزراعة في الأراضي الواقعة شرقي حمص نهاراً وكانوا يعودون للمبيت في حمص ليلاً لانعدام الأمن في ظل السلطنة العثمانية وخشية من غزوات البدو ونهبهم للمحاصيل .

ودام هذا الحال عدة سنوات حتى اتفق أولئك المهاجرون – والذين يمكن أن نسميهم أجداد أهالي فيروزة الحاليين – على ابتناء قرية فرتقة على بعد 7 كم شرقي حمص . فحفروا بها بئراً وشادوا لهم منازل فيها وسكنوها. ونظراً للحاجة الروحية إلى كاهن وكنيسة فقد بنوا في فرتقة كنيسة على اسم الشهيد القديس مار جرجس واتخذوه شفيعاً وحامياً لهم.

أقام أهل فيروزة الأوائل 50 سنة في فرتقة وبعدها اختاروا أرضاً منبسطة شرقي فرتقة على بعد 2كم ( موقع فيروزة الحالي ) ونقلوا حجارة بيوتهم من فرتقة التي أصبحت أثراً بعد عين، وبنوا بها بيوتاً جديدة في فيروزة وذلك عام 1614 م .

كما تشير بعض الروايات أن بقية الأسر الفيروزية أتت من الهرمل في لبنان . كما يقال أن المنطقة كان فيها بعض العائلات المسلمة التي هجرت هذا المكان رغم أن هذه الرواية ما تزال مشكوك بأمرها .

فيروزة اليوم :

يبلغ عدد سكان فيروزة المقيمين حوالي سبعة آلاف نسمة يعمل أغلبهم في الزراعة ويمتهن بعضهم التجارة والمهن الأخرى ، وقد اشتهرت فيروزة ببعض الحرف التي شهرت اسمها في المنطقة خاصة تجبير الكسور التي برع فيها آل ميدع .

ويمتهن بعض أبنائها  التجارة نظراً لقربها من حمص . أما مساحة أراضيها فتقارب 40 ألف دونم تشغل الأشجار المثمرة ربعها وأهمها العنب . وتشغل المشاريع الزراعية المروية ربعها الثاني إضافة لزراعة البطاطا والملفوف ….. إلخ .أما النصف الثاني من أراضيها فهو لزراعة الحبوب من قمح وشعير وغيرها من الزراعات البعلية .

قصة الاغتراب الفيروزي :

عرفت فيروزة موجتين من الاغتراب لأبنائها . بدأت الأولى في مطلع القرن العشرين وكان المهاجرون آنذاك يقصدون الأرجنتين والبرازيل على الأغلب . وقد أصاب النزر القليل منهم نجاحاً في غربته .

أما الموجة الثانية من المغتربين فبدأت في مطلع النصف الثاني من القرن العشرين وقد يمم أهل فيروزة شطر الولايات المتحدة الأميركية حيث توضع القسم الأكبر منهم في كاليفورنيا- لوس أنجلوس . وقد نجحت الغالبية الساحقة منهم في غربتها بفضل جهدهم وصبرهم . فامتلكوا المحلات التجارية في المواقع الاستراتيجية من المدينة والتي بلغ عددها 550 محل تجاري stores حتى أن بعضهم استطاع انتزاعها من أيدي اليهود الناشطين في هذا المجال في العالم .

يقدّر عدد الأسر الفيروزية في لوس أنجلوس لوحدها بألف ومئة عائلة حسب آخر إحصاء زودنا به السيد بسام بشارة مشمل مشكوراً وما زالوا هناك يعتزون بملامح الشخصية العربية ويحملون العادات والتقاليد المعروفة في الوطن الأم الذي يتوقون لزيارته دائماً . فتراهم يتوافدون أفواجاً كل صيف للسياحة أو حضور الأفراح والأعراس .

كـــنـــــائـــــس فــيــروزة

يوجد في فيروزة حالياً خمس كنائس سنذكرها باختصار من الأقدم إلى الأحدث .

كنيسة السيدة العذراء :

وهي أقدم الكنائس السريانية في فيروزة بنيت في العقد الأول من القرن العشرين . وقد بذل أبناء فيروزة جهوداً جبارة في بنائها ، إذ نقلوا إليها جميع الحجارة الزرقاء ( البازلتية ) الصغير منها والكبير من قريتهم الأم فرتقة .

وتعد معلماً دينياً بارزاً وكانت الكنيسة الوحيدة في فيروزة وقد كانت كنيسة لكل أهالي القرية وهي حالياً لطائفة السريان الأرثوذكس .

بناؤها قديم الطراز ، وهي تحوي عدة أيقونات جميلة ورسوم قديمة لقديسي الكنيسة السريانية

وقد قامت لجنة الأوقاف منذ عدة سنوات بترميمها للحفاظ على جمالها وروعتها . وهي مركز نشيط في التعليم الديني المسيحي في المنطقة

كنيسة قلب يسوع الأقدس :
للسريان الكاثوليك تأسست عام 1922م بعهد 
المطران يوسف الرباني .وقد تم توسيع الكنيسة وبناء جناح خاص لكاهن الرعية وزوار الكنيسة .كما أقيم نصب للسيدة العذراء زائرة فيروزة على نفقة السيد راجح ميدع في 17ايلول في عام 2000م وتم بناء مركز للتعليم الديني تضم قاعات كثيرة وواسعة تستقبل مئات الضيوف ويقام فيها معرض سنوي بعيد الصليب وعيد الكنيسة في14ايلول من كل عام

أنشئت صالة تقام فيها حفلات الأعراس والأفراح على نفقة أبناء الرعية المغتربين كما تحضن الصالة اللقاءات الشعبية و الحفلات الموسيقية و الوطنية

كنيسة مار الياس :

للسريان الأرثوذكس تبرع ببنائها المغترب جعبة جعبة  و أرسى حجر الأساس في 17/3/1957م ودشن في تاريخ 20/7/1961م بهمة القس سليمان مشمل .فيها مركز للتعليم الديني المسيحي وهو صالة كبيرة للاجتماعات الرسمية والدينية والمراسيم القومية ,وهي بنفس الوقت صالة للأفراح واسعة بنيت على نفقة المغتربين وقد دشنت باحتفال رسمي وشعبي تم ذلك  في موسم صيف عام 2001م.

يقام في الساحات المجاورة لهذا الدير احتفال شعبي سنويأصبح تظاهرة معروفة بمناسبة عيد القديس إيليا النبي الذي يصادف في العشرين من تموز من كل عام حيث يتوافد الناس من القرى المجاورة والمحافظات ومن لبنان وعدد كبير من المغتربين في المهجر ، لحضوره فتعقد الدبكات الشعبية طيلة ليلتين تسبقان التاريخ المذكور

وأخيراً يقام القداس الإلهي بهذه المناسبة يشترك فيه رجال الدين وفي مقدمتهم نيافة مطران حمص وحماة وتوابعهما . وفي كثير من الأحيان قداسة البطريرك الرئيس الأعلى للكنيسة السريانية الأرثوذكسية في العالم

كنيسة مار جرجس :

بنيت هذه الكنيسة في موقع مزار كان يحمل اسم القديس مار جرجس . وقد تبرع ببنائها المغتربون نعيم  النعيّم وزوجته الفاضلة مريم درغلي ودشنت في عهد البطريرك مار يعقوب الثالث ( 1953 – 1980 +) وفي أيام مطران الأبرشية مار ملاطيوس برنابا وبهمة كاهن الرعية الخوري حنا مسعودي وجمعية نور الهدى وبمساعي وجهود أهالي القرية في 6/5/1969م.

وهذه الكنيسة مزودة بقبو يعتبر صالة مصغرة جميلة اتخذتها الفرقة النحاسية مقراً لها

الكنيسة الإنجيلية :

الكنيسة الإنجيلية المشيخية بفيروزة لطائفة البروتستانت وهذه الكنيسة التاريخية تأسست عام 1892م وهدمت عام 1978م .

أما الكنيسة الجديدة هذا الصرح الشامخ بني عام 1994م بهمة راعيها الجليل القس صموئيل حنا  .

 

من موقع زيدل اون لاين

صفحات فيروزية فيروزة عبق الماضي وأريج الحاضر

 

 صفحة من تاريخ فيروزة بقلم الاستاذ سند الطويل 

 
 
هذه الرسالة عمرها 86 سنة وهي موجهة من المرحوم المحامي سهيل فارس الخوري إلى عمي المرحوم المعلم صموئيل طويل رداً على رسالة شكرٍ بعثها عمي له. فما هي مناسبة هذه الرسالة؟ إنها صفحة مشرّفة جرت أحداثها في الثلاثينات من القرن الماضي كما رواها لي والدي المرحوم المعلم بطرس طويل. أولاً هذا هو نص الرسالة:
سيدي الأخ صموئيل أفندي الأكرم
بعد التحية
فقد أخذت كتابك وشكرت لك كثيراً عاطفتك النبيلة وإخلاصك الأخوي خصوصاً وأنني لا أُشكر على ما فعلت لأنني مسوق إليه بعامل الواجب من جهة وبعامل الإخلاص والحرمة لعائلتكم الكريمة من جهة ثانية. وكان بودي أن أجيب على الكتاب حال وصوله ولكن انحراف صحتي ومن ثم انهماكي بأشغالي الكثيرة حالا بيني وبين هذا الغرض.
قضية الأجرة ثانوية سأبحث بها مع الأخ شاكر أفندي. وأرجو أن تثقوا بأن لكم في دمشق أخاً وصديقاً لايألو جهداً في خدمتكم وخدمة القضية الحقة
والله يحفظك لأخيك
14 أذار 1935 توقيع سهيل الخوري
وانا أسرد الآن مجريات تلك الأحداث ضد ذلك الإقطاعي من مدينة حمص والذي حاول الاستيلاء على أراضي في قرية فيروزة كما رواها لي المرحوم والدي:
كنا نحن آل طويل وآل ميدع قد اصطدمنا مع ذلك الرجل الذي جاء إلى فيروزة وحاول الاستيلاء على أراضي فيها وهو قوي المال ومستبد بتصرفه. ذات يوم بينما كنت أمشي في فيروزة لمحته فجأة وكان جالساً ومعه جماعة ووقعت عيني بعينه ولم يكن معي سلاح في ذلك الوقت. وضعت يدي في جيبي واتجهت نحوه وتكلمت معه كلاماً قاسياً وقلت له يا أنطون أنت تبعث المرابعين كي يدوسوا الأرض. إن كنت أنت رجلاً دوس الأرض أنت. ظن هو وقد اخذته المفاجأة أنني أحمل سلاحاً في جيبي. فبدأ يضع يده على رأسه عدة مرات قائلاً أمرك أمرك. وكان بالصدفة موجود إلى جانبه المرحوم علي الناصر من سلمية فقال له لقد قتلك قتلك. ومعنى هذه الجملة أنه قد أذلك. أكمل والدي طريقه إلى داره. وكان ذلك الإقطاعي يرسل المرابعين لجلب والدي بالقوة ولكنهم كانوا يخشون أن يكون والدي مسلحاً فيعودون أدراجهم دون الوصول إلى دار والدي ويقولون له أنهم لم يجدوا والدي فيعيد إرسالهم بدون جدوى. بعد ذلك رفع دعوى ضد والدي في حمص مدعياً أن والدي قد هدده وأشهر السلاح عليه. والحقيقة أن والدي هدده ولكنه لم يشهر السلاح عليه. تم استدعاء والدي للاستنطاق أمام النائب العام في حمص. روى والدي للنائب العام حقيقة ما جرى لذلك لم يأمر النائب العام بتوقيفه. لكن ذلك الإقطاعي تابع جهوده بدون كلل واستطاع عن طريق صديقه مظهر الدروبي التوسط لدى قاضي المحكمة وجيه الأسطواني الذي كانت تربطه علاقة مصاهرة مع مظهر الدروبي. وأثناء المحاكمة تمكن ذلك الإقطاعي من جلب شهود زور شهدوا بأن والدي هدده بإشهار السلاح عليه. فأصدر ذلك القاضي حكماً بسجن والدي ثلاثة أشهر بدون التنفيذ كعقوبة له. لم يسكت آل طويل على هذا الحكم الجائر وقرروا استئناف الحكم إلى المحكمة في دمشق. وكان وكيل والدي الذي ترافع عنه في تلك المحكمة المحامي سهيل فارس الخوري أما وكيل ذلك الإقطاعي فقد كان شقيقه المحامي موريس عطاالله. استغرقت المحاكمة جلسة واحدة طلب فيها النائب العام في تلك المحكمة برد الدعوى وحكمت المحكمة بإبطال حكم محكمة حمص.
رحم الله المحامي الكبير الأستاذ سهيل فارس الخوري ونخبة الرجال الأوفياء من أهالي فيروزة الذين صمدوا ودافعوا عن أراضيها وكل من وقف إلى جانب الحق.
مصادر اخرى كتبت عن فيروزة